كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان بذل المال قد لا يكون مع الإيثار أتبعه ما يعين عليه بقوله تعالى: {والصائمين والصائمات} أي: فرضًا ونفلًا للإيثار بالقوت وغير ذلك.
ولما كان الصوم يكسر شهوة الفرج وقد يثيرها قال تعالى: {والحافظين فروجهم والحافظات} أي: عما لا يحل لهم. وحذف مفعول الحافظات لتقدم ما يدل عليه، والتقدير: والحافظاتها، وكذلك والذاكرات، وحسن الحذف رءوس الفواصل.
ولما كان حفظ الفرج وسائر الأعمال لا يكاد يوجد إلا بالذكر وهو الذي يكون عنده المراقبة الموصلة إلى المحاضرة المحققة للمشاهدة المحببة للفناء قال تعالى: {والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات} أي: بقلوبهم وألسنتهم في كل حالة.
ومن علامات الإكثار من الذكر اللهج به عند الاستيقاظ من النوم، وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبق المفردون قالوا: وما المفردون قال: الذاكرون الله تعالى كثيرًا والذاكرات» قال عطاء بن أبي رباح: من فوض أمره إلى الله عز وجل فهو داخل في قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} ومن أقر بأن الله تعالى ربه، ومحمدًا صلى الله عليه وسلم رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله تعالى: {والمؤمنين والمؤمنات} ومن أطاع الله تعالى في الفرض، والرسول صلى الله عليه وسلم في السنة فهو داخل في قوله تعالى: {والقانتين والقانتات} ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله تعالى: {والصادقين والصادقات} ومن صبر على الطاعات وعن المعصية وعلى الرزية فهو داخل في قوله تعالى: {والصابرين والصابرات}.
ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في قوله تعالى: {والخاشعين والخاشعات} ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله تعالى: {والمتصدقين والمتصدقات} ومن صام في كل شهر أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله تعالى: {والصائمين والصائمات} ومن حفظ فرجه عن الحرام فهو داخل في قوله تعالى: {والحافظين فروجهم والحافظات} ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله تعالى: {والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات} {أعد الله} أي: الذي لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره مع أنه لا يعاظمه شيء {لهم مغفرة} أي: لما اقترفوه من الصغائر لأنها مكفرات بفعل الطاعات، والآية عامة وفضل الله تعالى واسع.
ولما ذكر تعالى الفضل بالتجاوز أتبعه الفضل بالكرم والرحمة بقوله تعالى: {وأجرًا عظيما} أي: على طاعتهم، والآية وعد لهن ولأمثالهن بالإثابة على الطاعة والتدرع بهذه الخصال، وروي أن سبب نزول هذه الآية: «أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به؟ إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة فأنزل الله تعالى هذه الآية».
روي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن قلن: لا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار قال: ومم ذاك قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال فأنزل الله عز وجل هذه الآية. وقيل: لما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء فنزلت.
تنبيه:
عطف الإناث على الذكور لاختلاف جنسهما، والعطف فيه ضروري لاختلافهما ذاتًا، وعطف الزوجين وهو مجموع المؤمنين والمؤمنات على الزوجين، وهو مجموع المسلمين والمسلمات لتغاير وصفيهما. وليس العطف فيه بضروري بخلافه في الأول؛ لأن اختلاف الجنس أشد من اختلاف الصفة، وفائدة العطف عند تغاير الأوصاف الدلالة على أن أعداد المعد من المغفرة والأجر العظيم أي: تهيئته للمذكورين للجمع بين هذه الصفات، فصار المعنى: أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات العشر أعد الله تعالى لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا.
وقوله تعالى: {وما كان} أي: وما صح {لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا} أي: إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله تعالى لتعظيم أمره، والإشعار بأنه قضاء الله تعالى. نزلت في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم: «لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب على مولاه زيد بن حارثة، وكان اشترى زيدًا في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبناه، فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه، فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت: أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة فيها حدة، وكذلك كره أخوها» ذلك رواه الدارقطني بسند ضعيف، وقيل: في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد {أن تكون لهم الخيرة من أمرهم} أي: أن يختاروا من أمرهم شيئًا، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعًا لاختيار الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
تنبيه:
الخيرة: مصدر من تخير كالطيرة من تطير على غير قياس، وجمع الضمير في قوله تعالى: {لهم} وفي قوله تعالى: {من أمرهم} لعموم مؤمن ومؤمنة من حيث أنها في سياق النفي، ويجوز أن يكون الضمير في من أمرهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم كما جرى عليه البيضاوي، وقرأ أن يكون الكوفيون وهشام بالياء التحتية والباقون بالفوقية، ولأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، ومن عصاه فقد عصى الله تعالى كما قال تعالى: {ومن يعص الله} أي: الذي لا أمر لأحد معه {ورسوله} أي: الذي معصيته معصية الله تعالى لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم. وقوله تعالى: {فقد ضل} قرأه قالون وابن كثير وعاصم بالإظهار، والباقون بالإدغام وزاد ذلك بقوله تعالى: {ضلالًا مبينًا} أي: فقد أخطأ خطأ ظاهرًا لا خفاء فيه، فالواجب على كل أحد أن يكون معه صلى الله عليه وسلم في كل ما يختاره، وإن كان فيه أعظم المشقات عليه تخلقًا. يقول الشاعر:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ** متأخر عنه ولا متقدم

وأهنتني فأهنت نفسي عامدًا ** ما من يهون عليك ممن يكرم

فلما نزلت هذه الآية رضيت زينب بذلك وجعلت أمرها بيد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها فأنكحها صلى الله عليه وسلم زيدًا، فدخل بها وساق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دنانير وستين درهمًا، وخمارًا ودرعًا وإزارًا وملحفة، وخمسين مدًا من الطعام، وثلاثين صاعًا من تمر. ومكثت عنده حينًا. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيدًا ذات يوم لحاجة، فأبصر زينب قائمة في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال: سبحان الله مقلب القلوب وانصرف، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له ففطن زيد، فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي قال: مالك أربك منها شيء قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرًا، ولكنها تتعاظم عليّ لشرفها، وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك يعني زينب بنت جحش واتق الله في أمرها فأنزل الله تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله} أي: الملك الذي له كل الكمال {عليه} وتولى نبيه عليه الصلاة والسلام إياه، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بالإظهار والباقون بالإدغام.
ثم بين تعالى منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وأنعمت عليه} أي: بالعتق والتبني حيث استشارك في فراق زوجته التي أخبرك الله تعالى أنه يفارقها وتصير زوجتك {أمسك عليك زوجك} أي: زينب رضي الله عنها {واتق الله} الذي له جميع العظمة في جميع أمرك {وتخفي} أي: والحال أنك تخفي أي: تقول قولًا مخفيًا {ما في نفسك} أي: ما أخبرك الله من أنها ستصير إحدى زوجاتك عند طلاق زيد {ما الله مبديه} أي: مظهره بحمل زيد على تطليقها، وإن أمرته بإمساكها وتزويجك بها وأمرك بالدخول عليها، وهذا دليل على أنه ما أخفى غير ما أعلمه الله تعالى من أنها ستصير زوجته عند طلاق زيد؛ لأن الله تعالى ما أبدى غير ذلك، ولو أخفى غيره لأبداه سبحانه؛ لأنه لا يبدل قوله، وقول ابن عباس كان في قلبه حبها بعيد، وكذا قول قتادة: ودّ لو أنه لو طلقها زيد، وكذا قول غيرهما: كان في قلبه لو فارقها زيد تزوجها.
ولما ذكر تعالى إخفاءه ذلك ذكر علته بقوله تعالى: عاطفًا على تخفي {وتخشى الناس} أي: من أن تخبر بما أخبر الله تعالى به فيصوبوا إليك مرجمات الظنون لاسيما اليهود والمنافقون، وقال ابن عباس والحسن: تستحييهم، وقيل: تخاف لأئمة الناس أن يقولوا: أمر رجلًا بطلاق امرأته ثم نكحها {والله} أي: والحال أن الذي لا شيء أعظم منه {أحق أن تخشاه} أي: وحده ولا تجمع خشية الناس مع خشيته في أن تؤخر شيئًا أخبرك به حتى يأتيك فيه أمر. قال عمر وابن مسعود وعائشة: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه، وروي عن مسروق قال: قالت عائشة: لو كتم النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه}.
ويؤيد ما مر ما روى سفيان بن عيينة عن علي عن زيد بن جدعان قال: سألني علي بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله تعالى: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} قال: قلت يقول لما جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله إني أريد أن أطلقها فقال له: {أمسك عليه زوجك} فقال علي بن الحسين: ليس كذلك؛ لأن الله تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه، وأن زيدًا سيطلقها، فلما جاء زيد وقال: إني أريد أن أطلقها قال له: {أمسك عليك زوجك} فعاتبه الله تعالى وقال: لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو اللائق والأليق بحال الأنبياء عليهم السلام، وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرأ} أي: حاجة من زواجها والدخول بها، وذلك بانقضاء عدتها منه؛ لأن به يعرف أنه لا حاجة له فيها، وأنه قد تقاصرت عنها همته وإلا راجعها {زوجناكها} أي: ولم نحوجك إلى ولي من الخلق يعقد لك عليها تشريفًا لك ولها بما لنا من العظمة التي خرقنا بها عوائد الخلق حتى أذعن لذلك كل من علم به، وسرت به جميع النفوس.
ولم يقدر منافق ولا غيره على الخوض في ذلك ببنت شفة مما يوهنه ويؤثر فيه، فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله تعالى من أنها ستكون زوجة له.
وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد: إن التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي.
قال البغوي: وهذا هو الأولى والأليق وإن كان الآخر وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء عليهم السلام؛ لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المأثم؛ لأن الود وميل النفس من طبع البشر، وقوله: {أمسك عليك زوجك واتق الله} أمر بالمعروف وهو خشية الإثم فيه وقوله: {والله أحق أن تخشاه} لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه الصلاة والسلام قال: «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له» ولكن المعنى: الله أحق أن تخشاه وحده ولا تخشى أحدًا معه، فأنت تخشاه وتخشى الناس أيضًا. ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال وفي جميع الأشياء انتهى.
وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول بها إذا طلقت وانقضت عدتها، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: «اذهب فاذكرها علي قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت: يا زينب أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن قال: ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته، فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري، أنا أخبرته أن القوم خرجوا أو أخبرني قال: فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب».
وعن أنس رضي الله عنه قال: «ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة» وفي رواية: «أكثر وأفضل ما أولم على زينب» قال ثابت: فما أولم قال: أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه قال أنس رضي الله عنه: «كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات» وقال الشعبي: «كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك بثلاث: ما من نسائك امرأة تدل بهن: جدي وجدك واحد، وأنكحنيك الله في السماء، وإن السفير لجبريل عليه السلام» وأخرج ابن سعد والحاكم عن محمد بن يحيى بن حبان قال: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد يقال له: زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده، وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فضلًا، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقالت: ليس هو هاهنا يا رسول الله فادخل، فأبى أن يدخل، فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا ربما أعلن بسبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب، فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله فقال زيد: ألا قلت له أن يدخل قالت: قد عرضت ذلك عليه فأبى قال: فسمعت شيئًا منه قالت: سمعته حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه وسمعته يقول: سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب، فجاء زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أمسك عليك زوجك} فما استطاع زيد إليها سبيلًا بعد ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره فيقول: {أمسك عليك زوجك} ففارقها زيد واعتزلها وانقضت عدتها، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة إذ أخذته غشية، فسري عنه وهو يبتسم ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله زوجنيها من السماء، وقرأ: {وإذ تقول للذي} الآية قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها زوجها الله من السماء وقلت: هي تفخر علينا بهذا».
ولما ذكر تعالى التزويج على ماله من العظمة ذكر علته بقوله تعالى: {لكي لا يكون على المؤمنين حرج} أي: ضيق وإثم {في أزواج أدعيائهم} أي: الذين تبنوهم وأجروهم في تحريم أزواجهم مجرى أزواج البنين على الحقيقة {إذا قضوا منهن وطرا} أي: حاجة بالدخول بهن، ثم الطلاق وانقضاء العدة.
فائدة:
لا مقطوعة في الرسم من {لكي}.